2017/09/23

الشَقيقان المُتضادان بقلم: احمد ابراهيم الدسوقى

الشَقيقان المُتضادان 
احمد ابراهيم الدسوقى

شَقيقان مُتضادان .. مُتنافران مختلفان .. أَحدهما الأكبر .. والآخر الأصغر .. مِن بنى آدم .. إِختلفا حول نَقاء نَسبهما .. في فجرِ الخليقة .. وعلت أَصواتهما .. حتى جابت الآفاق .. وتناقلتها السْير والأَخبار .. وكُتبت في الصُحف والرُقع .. ورُسمت على جدران الكهوف والمعابد .. وصارت علامة كونية
قالَ الشقيق الأكبر لشقيقهِ الأصغر  :-
ـــ  أَبى قواد فاحش
فأَجابه الشقيق الأَصغر فى جِدال  :-
ـــ  بل أَبى رجلُ دينٍ صالح
ثم عادَ الشقيق الأَكبر ليقول  :-
ـــ  أَنا إِبن غير شرعى من إِمراه بَغى
فرعدَ الشقيق الأَصغر وقالَ مناوئاً  :-
ـــ   وأَنا إِبن شرعى من إِمراة مُحصنة
ونشِبَ جدالٌ عارم محتدم .. صدرت عنه جلبة ذات صدى .. تقاطعَرَعيدها فى الآفاق عبر التاريخ .. أَبكت الأَرامل والثكالى .. وإِنهارت لها الدول والإِمبراطوريات .. ونشبت بسببِها الحروب والمُنازعات .. وصالَ وجالَ زبانية الشيطان .. حتى أَرهق الجدال الشقيقين .. وترنحا ترنح الجاهلية الأُولى .. وعَلى من عَلى .. ودنا من دنا .. حتى إِشمئزت النواميس .. ودق ناقوس الخطر .. فى فجرِ الخليقة
فقالَ الشقيقان الإِثنين .. فى نبرةٍ واحدة جادة .. بعدما أَعيتهما الحيل   :-
ـــ  لِنذهب الى أَبينا .. ونحتكم فى رِحابهِ المتسع
وإِنطلقا يسلكان أَعاطف الجِبال .. ويَتلون فى دهاليِزها .. ويَتثنون فى أَخاديدها .. فى ترحال إِستمر عشرة آلافِ عام  .. بادت خلالها الديناصورات .. وظهرت خِلالها دول وكِيانات .. وإِزدهرت حضارات وأَيديولوجيات ..وذوت مَمالك وعرقيات .. وبَزغت أَنوار الديانات .. آَمن خلالها من آمن .. وكفرَ من كفر .. وعند وديان الحكمةْ .. وسهول الحنكةْ .. وجبال الفَراسة .. ألفيا جبلَ التوبة .. ثم أَبصرا أَعلى قمته الشامخة .. مرئى كوخِ أَبيهم الحجرى .. ينتصب فوقَ ربوةٍ مُدببة .. تُشبه راسَ الإِبرة .. فصعدا إِليه عبر أَلفى عام .. صارعتهما خلالها عصور جَليدية .. وكادا يهلكان على إِثر الكواسر والمُتوحشات .. التى حاولت مَنعهما .. من الوصول لغايتهما المَنشودة .. وعندما كَللت السماء .. مسعى صعُودهما بالنجاح .. وقفا أَمام باب الكوخ الحجرى .. وإِستاذنا فِى الدخول لأَبيهما
نظرَ الشقيق الأَكبر نظرة جامدة .. إِلى أَبيه المعمر .. وقال  :-
ـــ  أَخى الأَصغر يرى أَنك رجلُ دينٍ صالحاً
ثم أَطرق الشقيق الاصغر .. وقال لأَبيه مُتاسياً :-
ـــ  وأَخى الأَكبر يرى أَنك قواداً فاحشاً
ثم رعدا الإِثنان فى قوة وقالا فى صوتٍ واحد  :-
ـــ  أَصدقنا القول حتى لا نَختصم .. وتسيل الدماء مِدرارات
وصمتا يستطلعان مدى تَغضن وجهه .. وإِنكسارات الزمن على نَفسهِ المُثقلة بِالهُموم  .. وتَداعى وقع اللحظات على ذاكرتِه .. ذاتِ ملايين السنين
نظرَ الأَب مُبتئسا حزيناً.. إِلى الشقيقِ الأَكبر .. وقال له فى أَسى  :-
ـــ  فى نصفِ حياتى الأًولى .. صادقت الشيطان وجَاورته .. وإِعتنقت مَذهبه السوئى .. صرتُ قواداً .. وأَنجبتكَ من إِمراة غانية .. كانَ مَصيرها الذُبول
ثم نظرَ الأب مُغتبطا سَعيدا .. إِلى الشقيقِ الاصغر .. وقال له فى سعادة  :-
ـــ  فى نصفِ حياتى الثانية .. إِتبعت كتاب الله .. وآمنت برسلهِ .. وإِعتنقت مَذهبه السماوى .. صرت رجلُ دين .. وأَنجبتك من إِمراة مُحصنة .. كان مَصيرها الخُلود
وسكنَ فى مقعده الحجرى .. مُطرقاً مٌبتئساٌ .. مُستسلماٌ لنتيجة مَقولاته .. التى صخت أُذنى ولديه .. الأَكبر والأصغرالمتشاحنين
وهنا جارَ الشقيق الأَكبر بِالحديث .. وقال بصوت جهورى رعاد  :-
ـــ  سوفَ أَتبع حياتكَ الأَولى بِفحشها .. وأَتحمل تبعاتها .. وأسير خلف شُخوصها
ثم نبِس الشقيق الأَصغر بِالكلمات .. وقال بصوتٍ هادىءٍ رخيم  :-
ـــ  ولسوفَ أَتبع حياتكَ الثانية بطهارتها .. وأَتحمل نتائجها  .. وأَسير خلفَ سِيرها .

ليست هناك تعليقات: