2017/11/17

"رحـــلة أتــوبيــس" قصة بقلم: هدى مشالي

رحـــلة أتــوبيــس
هدى مشالي
فجأة ... توقفت سيارتي ,  يبدو أن بها عطلا , حاولت جاهدا تشغيلها , ولكن دون جدوى , أغلقتها واتجهت إلى أول الشارع أحاول أن أوقف تاكسي , ولكن باءت المحاولات بالفشل , فقررت أن اركب الأتوبيس وبالفعل وقفت في المحطة , حيث يقف الجميع , الكل في حالة ترقب , البعض يتأفف من شدة الحر والبعض الآخر من طول الانتظار , رمقت الرجل الواقف بجانبي وهو يخرج منديل من جيبه يمسح به رأسه الخالية من الشعر, ثم يضع المنديل خلف رأسه , ينقل البطيخة الضخمة التي يحملها من يد إلى أخرى , يبدو أنها ثقيلة , وعندما أحسست انه لاحظ اننى اتابعه  , أدرت نظري في الاتجاه الأخر ,  وأخيرا وصل الأتوبيس المكدس بلحوم البشر  , لا يوجد مكان لموضع  , قدم ترددت قليلا في الركوب  , ولكني وجدت نفسي اصعد بقوة الدفع  , يدفعني من خلفي لأغوص في وسط هذا الكم الهائل من الأجساد المتلاصقة  , والغريب اننى وصلت  , والأغرب وصول الرجل البدين وبطيخته الثقيلة , ووجدتني أعلو برأسي قدر المستطاع حتى استطع التنفس ونظرت إلى الجالسين على المقاعد بشيء من الحسد أنهم يجلسون باسترخاء  , لا يبالون بمعاناة المتلاحمين في هذا الحر القاتل  , بعضهم ينظر من الشباك يستمتع بمشاهدة المناظر في الخارج  , وتداعب وجهه نسايم الهواء الخفيفة  , تنعشه وتسرى عنه من حرارة الجو الكاتم ,  والبعض الأخر يدخن سيجاره ويشعر بمتعه الجلوس والراحة وهو يشاهد الواقفين حوله وهم يتصببون عرقا ,  ويعتصر أجسادهم الزحام الشديد  , شردت قليلا ... وشبه لي هذا المشهد بحال الدنيا ,  بها أناس كثيرة تنعم بالراحة وتعرف كيف تستمتع بالحياة وهناك الكثير من الكادحين لا يشعر بمعاناتهم احد .
وفجأة فرمل الأتوبيس فتمايلت كتل البشر ولكن لم يسقط احد  , الكل يسند الآخر ولا مكان لسقوط احد ,  عاد الرجل البدين يمسك بمنديله ويمسح جبينه ورقبته من قطرات العرق المتساقطة بشكل متلاحق ,  وشعرت انه في حالة تعب وإرهاق عندما تطوح إلي الوراء وكأنه علي وشك إغماء  ,  وكادت ألبطيخه أن تسقط من يده  , وأسندته وحملت من يده البطيخة ,  رق لحاله شاب لم يتجاوز العشرين من عمره  , جازف بمقعده  , يبدو انه شاب فدائي ,  وجلس الرجل البدين علي المقعد وتنفس الصعداء ,  وبعد دقائق وجدته يتصفح الجريدة التي كان يطويها تحت أبطيه  , وبعد قليل طوي الجريدة وأخذ ينظر من الشباك وبدا علي وجهه الانتعاش والعافية ,  وزالت عنه كل علامات الإرهاق والتعب فنظرت إليه في ضيق ,  وانتابني شعور خفي بان هذا الرجل أتقن علي الجميع دور الرجل المتعب لكي يفوز بهذا المقعد ,  حيث لا يصل إلي المقاعد إلا من يجيد التمثيل , وعادة من يصل إلي المقعد لا يبالي بمتاعب الآخرين  , تدفقت كميات أضافية من البشر عند وقوف الأتوبيس في المحطة ودفعتني هذه الجموع  ناحية السيدة التي تقف بجواري حتى أصبحت ملتصقاً بها ,  وفوجئت بها تصرخ في وجهي وتتهمني بأشياء لم تخطر ببالي ,  خاصة  وان هذه السيدة لا تتمتع بأي جمال يدفعني بفعل ما تظنه بي ,  ومنعني خجلي من الرد عليها  , وانطلق الأتوبيس من جديد  , وفي كل محطة كانت تزيد حمولة الأتوبيس حيث كانت تخرج جموع وتصعد جموع اكبر بكثير من الخارجة وشعرت إنني امتلأت غيظا من هذا الرجل البدين الذي استراح علي مقعده وتركني أعاني من حمل بطيخته البدينة لقد استراح علي مقعده لا يبالي بشئ  , وشعرت برغبة قويه في قذفه بهذه البطيخة  , ولكني فوجئت بولد صغير تحمله أمه وهو يخبط علي البطيخة ويقول لامه : أنا نفسي في البطيخ يا ماما ردعته أمه بضربه خفيفة علي يده وأسكتته , وبعد برهة عاود الولد الخبط علي البطيخة بقوه حتى انزلقت من يدي علي حديدة المقعد ثم علي رجل الرجل البدين الذي نظرا إلي في غيظ ,  ولكني قابلت نظراته بابتسامه خفيفة ,  وشعرت بارتياح ,  وأدهشني أن الولد الصغير أخذا قطعه من البطيخة المحطمة واخذ ينحت فيها ويقول : الله يا ماما أنا كان نفسي في البطيخ ,  ووجدت ضحكه عالية تخرج مني بشكل عفوي وتوجهت إلي الباب حيث كانت محطتي رمقت الجميع بنظره سريعة وأسرعت في النزول قبل فوات المحطة.

ليست هناك تعليقات: